كتبت هذا المقال فى وقت آخر اعتداء صهيونى على حياة ومدن فلسطين، لكن فى الاعتداء الأخير الذى قيل عنه إنه أعنف اعتداء منذ 2016 والذى نجم عنه مقتل 36 فلسطينيا منهم 8 أطفال.
حاولت الكتابة عنه .. فوجدت هذا المقال فى أرشيفي ، قرأته وحزنت.. فلم يتغير شيء على الإطلاق سوى التاريخ وعدد الشهداء والمدن المعتدى عليها، غزة بالأمس أو جنين اليوم. فلا توجد أي إضافةاحتجتها لتحديث المقال .. فقررت نشر المقال الذي لم ينشر من قبل وكتبت فقط تلك الديباجة .. فللأسف لم يتغير شيء على الإطلاق.
موتهم لم يعد يدهش أحدا!
غضب ، رغبة في الانتقام ، حسرة ، إحساس مر ، خذلان ومشاعر أطاحت ببقية من أعصابي عند سماعى صوت القنابل وسقوط الضحايا من المدنيين ، واغتيال للقيادات باعتراف القتلة ومقتل مدنيين ومنهم 15 طفلا ، ومع ذلك تقول إحدى المحطات العربية بكل أريحية عن تبادل لاطلاق النار بين العدو الصهيوني وأبناء غزة الصامدة.. يا للعارالمخجل!
أولا .. اجتاحني غضب متكرر من العدوان المتكرر واطمئنان الصهاينة التام من تواطؤ المجتمع الدولي والصمت والشجب المخجل من الدول العربية .. جمعاء.
ثانيا .. رغبة فى الانتقام ورد الصاع صاعين ، فلو كنت شابة لذهبت إلى هناك فورا ، على الأقل لأشارك كأم فى حماية أطفال العروبة الذين لايحرك موتهم أحدا ، فالاعتياد يقتل الدهشة والمروءة على حد سواء!
ثالثا .. حسرة وإحساس مر على الشعب الفلسطينى ، آخر الشعوب المحتلة رسميا على وجه الأرض .. وكيفية موات ضمير العالم عما يحدث له من جرائم يومية فاقت بكثير ما حدث فى أوكرانيا، التي نالت تعاطف العالم وتناثرت على شعبها زخات من الأموال والأسلحة ومساندة الحلفاء والبكاء على القتلى ، بينما نجد القتل اليومى والتعذيب المستمر واعتقال الأطفال لايحرك طرفة عين إلا من رحم ربى ، كأنهم ليسوا آدميين ، كأن دماءهم ليست إنسانية وحمراء، كأن موتهم سراب يختفى عندما تدنو منه الحقيقة!
رابعا .. الخذلان الذى هو عنوان المرحلة وكل المراحل السابقة ، ولكن أن تفتح للصهاينة عواصم بعض الدول العربية ويعاملوا كإخوان ويدعونهم رفاق سلام ، فى الوقت الذى يراق فيه الدم الفلسطيني ، فإن لم يكن هذا هو الخذلان فماذا يكون؟!
منذ وقوع الحرب الروسية الأوكرانية ، لم نسمع سوى كلمات الغزو والاحتلال وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، بينما نفس الأفعال تجري على الأرض الفلسطينية منذ عقود ، ولا نرى سوى عبارة تلقي بالقاذورات على وجوهنا المنزوعة الكرامة والكبرياء عن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ، ولكن ليس من حق الفلسطينيين الدفاع عن حياتهم وأراضيهم وأطفالهم. للأسف هو الكيل بمكيالين ، بينما يغط الضمير العالمى فى غيبوبة التواطؤ والإنكار!
ولكن هل الدعمالدولى المثير للدهشة لأبناء شرق أوروبا ، يفسر تصريحات الغرب المتعاطف مع الأوكرانيين أصحاب العيون الزرقاء والشعور الذهبية، المتمكنين من التكنولوجيا الحديثة أصحاب حسابات فيس بوك وتويتر وأنستجرام ، والذين بالقطع لاينتمون لأبناء ذلك الشرق من العراقيين والسوريين وقبلهم الفلسطينيين الذين اعتادوا على انتهاكهم وإذلالهم وقتلهم و تهجيرهم ، كشيء لايثير سوى مصمصة شفاه البعض منهم!
هل الأمر مجرد عنصرية ، وهبّة من أمريكا وأوروبا ضد الدب الروسى لأسباب سياسية؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ استهانة مثلا بردود الأفعال العربية كقوة سياسية مشتركة أو عسكرية إذا طبقت وثيقة الدفاع المشترك التى لم تطبق يوما منذ حرب 73؟ أم أن المصالح الفردية والاتفاقات السرية والتى أصبحت علنية مع العدو الإسرائيلى ، والذي لم يعد عدوا لهم مثل حماس وإيران هي التي أطلقت يد إسرائيل في فلسطين تعمل ما يبدو لها محمية من هؤلاء وهؤلاء؟.
أم لم تعد للعرب هيبة في العالم بعد درس انقطاع البترول عنهم فى 73؟ أم انقسام الفصائل ذاتها ، مما سهل دحرهم منفردين .. أم خيانات عامة وتواطؤ مخجل, واختفاء زعامات وانهيار جمهوريات وانهيار اقتصادي وانكفاء كل دولة على نفسها ، محاولة الخروج من التزاماتها المادية والأزمة الاقتصادية الحالية والتى علقوا عليها كل القضايا والخطايا هى سبب تجرؤ العدو الصهيوني؟ أم ذلك كله مجتمعا .. ولكن الذي أعرفه أن الموت الفلسطينى لم يعد يدهش أحدا وأخبار الغارات والحملات العسكرية المعنونة بأسماء أفلام الإثارة والمغامرات لم تعد تثير الغضب ، إنما أصبحت شيئا مألوفا اعتاد عليه العالم ، فلم تعد تغضبه جثث الأطفال المحترقة ولا انفجار البيوت وهدمها على رؤوس سكانها ولا تعطل المحطة الوحيدة للكهرباء لتظل الدولة الفلسطينية بمستشفياتها بلا كهرباء لمدة أيام بتبعاتها وضحاياها المتوقعة.
ألفة مع الموت والحريق والظلم ، كأن كل ذلك لم يعد يصنف كجرائم حرب من الأساس ، والضحايا مجرد أرقام في شريط أخبار بارد يعرض بيانات بعدد من مات أو أصيب أو فقد عائلته بالكامل تحت الأنقاض!!
لا تنفعلوا ولا تدمع أعينكم ، إنهم مجرد فلسطينيين!
يقتل 26 فلسطينيا منهم 14 طفلا ، وتهدم بيوت ومستشفيات ومحطات كهرباء وطرق ، ويتم اغتيال قياديين ، كل ذلك فى إطار إعلام يوصفه باعتباره تبادل للنيران بين القاتل والمقتول!
بالأمس غزة الصامدة واليوم جنين ولكن رغم كل محاولات تجميد القضية أو نحرها تماما ، فالمقاومة مستمرة والشعوب العربية لا تنسى القضية والأعلام ترفع فى كل الأماكن ، والحناجر تهتف من القلب فلسطين عربية.
-------------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني